المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
هناك شبه أثيرت من قبل المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حاول المستشرق هنري ماسيه التشكيك في تثبيت النص القرآني، إذ قال: (عند وفاة محمد لم يكن هناك أية مجموعة للنصوص القرآنية فرزت بشكل نهائي، وما من شك في أن عددا من مجموعة الوحي الأول لم تكن قد حفظت، ولكن شذرات هامة كانت قد سجلت كتابته على عظام مسطحة وأوراق نخيل أو حجارة) «١».
لقد تعود هؤلاء المستشرقون على إصدار أحكامهم حول الإسلام ورسوله وكتابه من غير دليل من الواقع، بل على محض ما تجود به أخيلتهم الخصبة، وكذلك تعودوا على رفض الأخبار والروايات الصحيحة ما دامت تأتي مناقضة لتلك الأحكام المسبقة، ومخيبة آمالهم في التشكيك في مصداقية الإسلام، وأنه دين الله اختاره للإنسانية جمعاء.
فهنري كغيره يضرب بعرض الحائط تلك الأخبار التي تفيد بشكل قاطع أن القرآن كان محفوظا في صدور المئات من الحفاظ، وأنه لم يفتهم شيء منه، والتي تؤكد كتابة القرآن كله في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن تلاوته كانت شغلهم الشاغل في الصلوات وغيرها، يتقربون بها إلى الله، وأن الرسول ﷺ كان يبعث بالحفاظ لتعليمه خارج مكة والمدينة من المسلمين الجدد «٢».
وقد رد أبو بكر الباقلاني على مثل هذه المزاعم حيث قال: إن الصدر
(٢) ينظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد أبو شهبة: ٢٥٦؛ والمستشرقون والقرآن الكريم، رسالة دكتوراه جامعية لمحمد بهاء الدين حسين: ١٩٧ - ١٩٨.