ترتيب الآيات في سورها يعد ذاته مظهرا من مظاهر إعجاز القرآن الكريم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) «١».
إن ترتيب الآيات في السور بهذا الشكل العجيب البديع، وبهذا الترابط بين الآيات بعضها ببعض، والذي يبدو لمتأمله وكأنها حلقات مترابطة في سلسلة من ناحية اللفظ والمعنى فيه، فيجد الترابط والتلاحم التامين بين الآية وسابقتها ولاحقتها. على الرغم من أن هذه الآيات كان نزولها متفرقا، واستمر أكثر من عشرين عاما، فترتيب الآيات إنما هو وجه آخر من وجوه الإعجاز القرآني.
إن عثمان رضي الله عنه لم يكن مستبدا برأيه في جمع القرآن، وإنما كل خطوة يخطوها أقدم عليها في جمع القرآن كان نتيجة استشارة الصحابة رضي الله عنهم، حملة القرآن وحفاظه، وكانت اللجنة برئاسة زيد بن ثابت وسعيد بن العاص هي التي قامت بجمع القرآن، وكان لعثمان رضي الله عنه دور الإشراف المباشر على تنفيذ المشروع، وإقرار ما يتوصل القائمون به، بعد عرضه على الصحابة والإجماع عليه «٢».
أما دعوى بلاشير وغيره من المستشرقين إلى إعادة ترتيب السور في المصحف الشريف بالشكل الذي يريدونه، فليس من ورائها إلا محاولة تحقيق هدف سياسي، وهو ضرب وحدة المسلمين إذ من المعلوم تاريخيا أن مصحف عثمان رضي الله عنه بشكله وترتيبه المعروف إنما جسد وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم عليه، فعليه فإن أي
محاولة للمساس به بأي شكل من الأشكال، إنما تستهدف ضرب وحدة المسلمين وما اجتمعت عليه إرادتهم وكلمتهم مهما كانت الحجج الواهية التي حاول المغرضون التستر من ورائها، فلو كان بلاشير ونولدكه

(١) سورة النجم، الآيتان (٣، ٤).
(٢) ينظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين: ١١٥؛ ومناهل العرفان للزرقاني: ١/ ٣٠٢.


الصفحة التالية
Icon