متن، ص : ١٣٨
لقد زال ما كان بينكم من شبكة المودة وعلاقة الألفة، التي تشبّه لاستحكامها بالحبال المحصدة، والقرائن المؤكدة.
وقوله تعالى : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [٩٥] فهذه استعارة على بعض الأقوال، وهو أن يكون معناها أنه سبحانه يشق الحبة الميتة، والنواة اليابسة، فيخرج منها ورقا خضرا «١»، ونباتا ناضرا، ويخرج الحبّ اليابس الذاوي «٢» من النبت الحي النامي. وقال بعضهم : يخرج الإنسان الحي من النطفة وهى موات، ويخرج النطفة الموات من الإنسان الحي. واللّه أعلم بالصواب.
وقوله سبحانه : فالق الإصباح وجاعل «٣» اللّيل سكنا [٩٦] وهذه استعارة.
والمعنى : شاقّ الصبح ومستخرجه من غسق الليل. وقوله سبحانه : فالِقُ الْإِصْباحِ أبلغ من قوله شاقّ الإصباح، إذ كانت قوة الانفلاق أشد من قوة الانشقاق. ألا تراهم يقولون : انشقّ الظفر، وانفلق الحجر ؟ وقوله تعالى وجاعل اللّيل سكنا استعارة أخرى. ومعناها على أحد القولين أنه سبحانه جعل الليل بمنزلة الشيء المحبوب الذي تسكن إليه النفوس وتحبّه «٤» القلوب. يقال : فلان سكن فلان. على هذا المعنى. والتأويل الآخر يخرج الكلام عن معنى الاستعارة. وهو أن يكون المراد أنه تعالى جعل الليل مظنة لانقطاع الأعمال، والسكون بعد الحركات.
(٢) فى الأصل الداوي بالدال المهملة. والصواب إعجامها.
(٣) هكذا بالأصل على قراءة رويس عن يعقوب. وهى قراءة أهل المدينة. أما قراءتنا نحن «وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» فهى قراءة الحسن وعيسى بن عمر وحمزة والكسائي.
(٤) فى الأصل «و تحبقه». والقاف زيادة من الناسخ حرف بها الكلم عن موضعه...