متن، ص : ١٥٤
الاستيلاء بالقدرة والسلطان، لا بحلول القرار والمكان. كما يقال :
استوى «١» فلان الملك على سرير ملكه. بمعنى استولى على تدبير الملك، وملك مقعد الأمر والنهى. وحسن صفته بذلك وإن لم يكن له فى الحقيقة سرير يقعد عليه، ولا مكان عال يشار إليه. وإنما المراد نفاذ أمره فى مملكته، واستيلاء سلطانه على رعيته.
فإن قيل : فاللّه سبحانه مستول على كل شىء بقهره وغلبته، ونفاذ أمره وقدرته، فما معنى اختصاص العرش بالذكر هاهنا ؟ قيل - كما ثبت - أنه تعالى رب لكل شىء. وقد قال فى صفة نفسه، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ «٢» فإن قيل : فما معنى قولنا عرش اللّه، إن لم يرد بذلك كونه عليه ؟ قيل كما يقال : بيت اللّه وإن لم يكن فيه، والعرش فى السماء تطوف به الملائكة تعبدا، كما أن البيت فى الأرض تطوف به الخلائق تعبدا.
[سورة يونس (١٠) : آية ١٠]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
وقوله سبحانه : وَتَحِيَّتُهُمْ «٣» فِيها سَلامٌ [١٠] وهذه استعارة على بعض الأقوال.
كأنّ المعنى أن بشراهم بالسلامة من المخاوف عند دخول الجنة تجعل مكان التحية لهم. لأن لكل داخل دارا تحية يلقى بها، ويؤنس بسماعها. والسلام هاهنا من السلامة، لا من التسليم.

(١) ومنه قول الراجز :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق انظر «القرطبي» ج ٧ ص ٢٢٠.
(٢) سورة التوبة. الآية رقم ١٢٩، والنمل الآية رقم ٢٦، والمؤمنون. الآية ٨٦، ونصها هنا قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
(٣) فى الأصل «تحيتهم» بغير واو. والصواب «و تحيتهم» بالواو عطفا على ما قبلها، وهو قوله تعالى : دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ. [.....]


الصفحة التالية
Icon