متن، ص : ١٦٧
وأبلغ فى القلوب وجلا وروعا.. والمراد أن هلاكهم لما كان عن الصيحة حسن أن يقال :
إنها أخذتهم بمعنى ذهبت بنفوسهم، وأتت على جمعهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠)
وقوله تعالى : فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ، وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [٩٨ - ٩٩] فقوله تعالى : وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وبِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ استعارتان. لأنه تعالى جعل فرعون فى تقدمه قومه إلى النار بمنزلة الفارط «١» المتقدم للوارد إلى الورد، كما كان فى الدنيا متقدمهم إلى الضلالة، وقائدهم إلى الغواية، وجعل النار بمنزلة الماء الذي يورد، ثم قال تعالى :
وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ لأنه ورد لا يجيز «٢»، الغصة، ولا ينقع الغلة.
وقد اختلف العلماء فى قوله تعالى : وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. وهل ذلك ذم لنار جهنم على الحقيقة أو المجاز، فقال أبو على «٣» محمد بن عبد الوهاب الجبّائى : ذلك على طريق المجاز، والمعنى بئس وارد النار. وقال أبو القاسم البلخي «٤» : بل ذلك على طريق الحقيقة.
فأما قوله سبحانه : وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [٩٩] فإنما قلنا إنه استعارة، لأن حقيقة الرّفد العطية. يقال رفده يرفده رفدا ورفدا بفتح الراء وكسرها. ولكن اللعنة لما جعلت بدلا من الرفد لهم عند انتقالهم من
(٢) هكذا بالأصل
(٣) أبو على محمد الجبائي كان رأسا من رءوس المعتزلة وشيخ علماء الكلام فى عصره. وتنسب إليه طائفة «الجبائية» والجبائي نسبة إلى «جبى» من قرى البصرة. توفى سنة ٣٠٣ ه. وذكر ابن حوقل فى «المسالك والممالك» أن جبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمائر بالنخل وقصب السكر وغيرهما، ومنها أبو على الجبائي الشيخ الجليل إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين فى عصره.
(٤) أبو القاسم البلخي هو عبد اللّه بن أحمد الكعبي، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية.
والكعبي نسبة إلى بنى كعب، والبلخي نسبة إلى بلخ إحدى مدن خراسان. توفى سنة ٣١٧ ه.