متن، ص : ١٧١
أصوب. ومن غرائب التفسير ما روى عن أبى عمرو بن «١» العلاء أنه قال : سمعت بعض الرواة يقول : بدم كدب بالإضافة من الدال «٢». وقال : هو الجدى فى كلام الكنعانيين، وأنشد لبعضهم :
ظلّت دماء بنى عوف كأنهم عند الهياج رعاة بين أكداب
وقيل : إنهم لطخوا قميص يوسف عليه السلام بدم ظبى ذبحوه.
وقوله سبحانه : قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [١٨] وهذه استعارة. وحقيقة التسويل تزيين الإنسان لغيره أمرا غير جميل. جعل سبحانه أنفسهم لمّا قوى فيها الإقدام على ذلك الأمر المذموم بمنزلة الغير الذي يحسّن لهم فعل القبيح، ويحملهم على ركوب العظيم.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٠]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠)
وقوله سبحانه : قَدْ شَغَفَها حُبًّا [٣٠] وهذه استعارة. والمراد بها أن حبه تغلغل إليها، حتى أصاب شغافها، وهو غشاء قلبها. كما تقول : بطنت الرّجل. إذا أصبت بطنه. ويقال : معنى شغفها أي سلب شغاف قلبها، على طريق المبالغة فى وصف حبها له، كما تقول : سلبت الرّجل إذا أخذت سلبه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٤]
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤)
وقوله سبحانه : قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ [٤٤] وهذه أبلغ استعارة وأحسن عبارة لأن أحد الأضغاث : ضغث. وهو الخليط من الحشيش المضموم بعضه إلى بعض، كالحزمة وما يجرى مجراها، فشبه سبحانه اختلاط الأحلام، وما مر به الإنسان من المحبوب والمكروه، والمساءة والسرور باختلاط الحشيش المجموع من أخياف «٣» عدة، وأصناف كثيرة.

(١) أبو عمرو بن العلاء. واسمه زبان بن عمار كان إماما فى اللغة والأدب وكان أعلم الناس بالأدب والقرآن والشعر وأعراب الجاهلية. توفى سنة ١٥٤ بالكوفة. وله ترجمة موجزة فى «المزهر» للسيوطى. وانظر «الأعلام» للزركلى.
(٢) وقرأ الحسن وعائشة «بدم كدب» بالوصف لا بالإضافة، وبالدال المهملة أي بدم طرى.
يقال للدم الطري : الكدب.
(٣) الأخياف : جمع خيف وهو كل هبوط وارتقاء فى سفح الجبل، أو ما ارتفع عن مسيل الماء.


الصفحة التالية
Icon