متن، ص : ١٧٦
[سورة الرعد (١٣) : آية ٨]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨)
وقوله سبحانه : اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى، وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ [٨]. وهذه استعارة عجيبة. لأن حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء دون غيره.
يقال : غاض. الماء وغضته «١» ولكن النطفة لما كانت تسمّى ماء، جاز أن توصف الأرحام بأنها تغيضها فى قرارتها، وتشتمل على نفاعاتها «٢». فيكون ما غاضته «٣» من ذلك الماء سببا لزيادة، بأن يصير مضغة، ثم علقة ثم خلقة مصوّرة. فذلك معنى قوله : وَما تَزْدادُ.
وقيل أيضا : معنى ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ. أي ما تنقص بإسقاط العلق، وإخراج الخلق.
ومعنى : ما تَزْدادُ أي ما تلده لتمام، وتؤدى خلقه على كمال. فيكون الغيض هاهنا عبارة عن النقصان، والازدياد عبارة عن التمام.
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٣]
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)
وقوله سبحانه : وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [١٣].
وهذه استعارة. لأن التسبيح فى الأصل تنزيه اللّه سبحانه عن شبه المخلوقات، وتبرئته من مدانس الأعمال، وقبائح الأفعال. وهذا لا يتأتى من الرعد، الذي هو اصكاك أجرام السحاب بعضها ببعض. فالمراد - واللّه أعلم - أن أصوات الرعود تقوى بها الدلالة على عظيم قدرة اللّه سبحانه، وبعده عن شبه الخليقة المقدّرة، وصفات البريّة المدبّرة. إذ كان الرعد كما قلنا إنما تغلظ أصواته، وتعظم هزّاته على حسب تعاظم صفحات السحاب الممتدة، وتراكم الغيوم المطبقة. وهى مع هذه الأحوال، من ثقل أجرامها، وتكاثف غمامها معلقة بمناطات الهواء الرقيق، لو لا دعائم القدرة وسماكها، وعلائق الجبرية ومساكها لما حمل عشر معشارها، ولا استقل ببعض أجزائها.

(١) غاض الماء : نقص. وغضته أنا أي نقصته..
(٢) النفاعات : جمع نفاعة وهو الشيء الذي ينتفع به.
(٣) فى الأصل ما غضته. وهو تحريف من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon