متن، ص : ١٨١
بمعنى زال سلطانه عن رعيته. ويقولون : أخذت هذا الأمر باليد. أي بالسلطان. فالحجج التي جاء بها الأنبياء أممهم قد تسمى أيديا على ما ذكرناه، فلما وصف الكفار على هذا التأويل بأنهم ردّوا أيدى الأنبياء - عليهم السلام - فى أفواههم، كان المراد بذلك ردّ حججهم من حيث جاءت، وطريق مجيئها أفواههم فكأنهم ردّوا عليهم أقوالهم، وكذّبوا دعواهم.
وفى هذا التأويل بعد وتعسّف، إلا أننا ذكرناه لحاجتنا إليه، لما ذهبنا مذهب من حمل قوله سبحانه : فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ على الاستعارة لا على الحقيقة.
فإذا حملت الآية على حقيقة الأيدى التي هى الجوارح كان المراد بها مختلفا «١» فيه.
فمن العلماء من قال : المراد بذلك أنهم كانوا يعضّون أناملهم تغيظا «٢» على الرسل عليهم السلام، كما يفعل المغيظ المحنق، والواجم المفكر.
وقال بعضهم : المراد بذلك أن المشركين أو مأوا إلى أفواه الأنبياء، بالتسكيت لهم، والقطع لكلامهم.
وقال بعضهم : بل المراد بذلك ضرب من الهزء «٣» يفعله المجّان والسفهاء، إذا أرادوا الاستهزاء ببعض الناس، وقصدوا الوضع منه، والإزراء عليه. فيجعلون أصابعهم فى أفواههم ويتبعون هذا الفعل بأصوات تشبهه وتجانسه، يستدل بها على قصد السخف، وتعمد الفحش. وهذا عندى بعيد من السداد، وغيره من الأقوال أولى منه بالاعتماد.
(٢) فى الأصل : تغيضا بالضاد المعجمة لا بالظاء المعجمة.
(٣) الهزء بفتح الهاء والهزء بضمها : السخرية.