متن، ص : ١٨٣
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «١» لأن الحكم فى ذلك اليوم له خالصا، لا يشاركه فيه حكم [حاكم ] «٢»، ولا يحادّه أمر آمر. وقد يجوز أن يكون المقام هاهنا معنى آخر، وهو أن العرب تسمى المجامع التي تجتمع فيها لتدارس مفاخرها، وتذاكر مآثرها «مقامات» و«مقاوم».
فيجوز أن يكون المراد بالمقام هاهنا الموضع الذي يقصّ فيه سبحانه على بريّته محاسن أعمالهم، ومقابح أفعالهم، لاستحقاق ثوابه وعقابه، واستيجاب رحمته وعذابه، وقد يقولون : هذا مقام فلان ومقامته، على هذا الوجه، وإن لم يكن الإنسان المذكور فى ذلك المكان قائما، بل كان قاعدا أو مضطجعا. ومن الشاهد على ذلك قوله تعالى فى قصة سليمان عليه السلام :
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ «٣» أي من مجلسك. سماه مقاما - مع ذكره أنّ سليمان عليه السلام كان جالسا فيه - لأنه قال قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ. وإنما سماه مقاما، لأن القاعد إذا قام بعد قعوده ففيه يكون قيامه. وهذا من غرائب القرآن الكريم. وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٧ الى ١٨]
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)
وقوله سبحانه : وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ [١٧] فهذه استعارة. لأن المراد بذلك لو كان الموت الحقيقي ولم يكن «٤» سبحانه ليقول : وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، وإنما المعنى أن غواشى الكروب، وحوازب الأمور
(٢) لفظة «حاكم» ناقصة من الأصل. وقد وضعناها بين حاصرتين، لأن السياق يقتضيها.
(٣) سورة النمل. الآية رقم ٣٩.
(٤) هذه العبارة غير واضحة كما هى. والمقصود أن الموت هنا مجاز لا حقيقة، ولو كان الموت هنا حقيقة لم يكن سبحانه ليقول :(و ما هو بميت). ولعل الواو زائدة فى قوله «و لم يكن»