متن، ص : ١٨٤
تطرقه من كل مطرق، وتطلع عليه من كل مطلع. وقد يوصف المغموم بالكرب، والمضغوط بالخطب بأنه فى غمرات الموت، مبالغة فى عظيم ما يغشاه، وأليم ما يلقاه.
وقوله سبحانه : أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [١٨] فى هذه الآية استعارتان إحداهما «١» قوله تعالى : اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ «٢».
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٧]
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)
وقوله سبحانه : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [٣٧]. وهذه من محاسن الاستعارة. وحقيقة الهوىّ النزول من علو إلى انخفاض كالهبوط. والمراد به هاهنا المبالغة فى صفة الأفئدة بالنّزوع إلى المقيمين بذلك المكان. ولو قال سبحانه : تحنّ إليهم، لم يكن فيه من الفائدة ما فى قوله سبحانه : تَهْوِي إِلَيْهِمْ لأن الحنين قد يوصف به من هو مقيم فى مكانه، والهوىّ يفيد انزعاج الهاوي من مستقرّه.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٣]
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)
وقوله تعالى : لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [٤٣] وهذه استعارة.
والمراد بها صفة قلوبهم بالخلوّ من عزائم الصبر والجلد، لعظيم الإشفاق والوجل. ومن عادة العرب أن يسمّوا الجبان يراعة جوفاء، أي ليس بين جوانحه قلب.
وعلى ذلك قول جرير يهجو قوما ويصفهم بالجبن :
قل لخفيف القصبات الجوفان جيئوا بمثل عامر والعلهان «٣»
(٢) هنا ورقة ضائعة من الأصل. من الآية ١٨ إلى الآية ٣٧.
(٣) ورد هذا البيت فى ديوان جرير هكذا.
ويلكمو يا قصبات الجوفان جيئوا بمثل قعنب والعلهان