متن، ص : ١٨٥
وإنما وصف الجبان بأنه لا قلب له، لأن القلب محل الشجاعة، وإذا نقى المحل فأولى أن ينتفى الحالّ فيه. وهذا على المبالغة فى صفته بالجبن. ويسمون الشيء إذا كان خاليا «هواء»، أي ليس فيه ما يشغله إلا الهواء.
وعلى هذا قول اللّه سبحانه :«١» وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً أي خاليا من التجلد، وعاطلا من التصبّر. وقيل أيضا : إن معنى ذلك أنّ أفئدتهم منحرفة «٢» لا تعى شيئا، للرعب الذي دخلها، والهول «٣» الذي استولى عليها. فهى كالهواء الرقيق فى الانحراف، وبطلان الضبط والامتساك.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٦]
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦)
وقوله سبحانه : وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [٤٦]. وهذه استعارة على إحدى القراءتين. وهما : لتزول. بكسر اللام الأولى وفتح اللام الأخرى. ولتزول.
بفتح اللام الأولى وضم الأخرى. وقرأنا بهذه القراءة للكسائى «٤» وحده، وقرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.
فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع «أن» فيها موضع نعم، لأنها قد ترد «٥» بهذا المعنى مثقلة : كقوله :(إنّ وراكبها «٦»).
(٢) فى الأصل : مستحرفة.
(٣) فى الأصل : والقول الذي استولى عليها. ولا معنى للقول هنا. وإنما هو الهول المقابل للرعب. [.....]
(٤) الكسائي : هو على بن حمزة الكوفي، أحد القراء السبعة. وإمام مدرسة فى النحو واللغة مشهورة. وكان مؤدبا للرشيد العباسي وابنه الأمين. توفى سنة ١٨٩ بمدينة الري.
(٥) فى الأصل : قد تردد. وهو تحريف من الناسخ.
(٦) هذا هو ما ردّ به ابن الزبير رضى اللّه عنه لمن قال له : لعن اللّه ناقة حملتنى إليك. فقال ابن الزبير : إنّ وراكبها. أي : نعم! ولعن راكبها. وهو من شواهد كتب معانى الحروف. انظر «مغنى اللبيب» ج ١ ص ٣٦.