متن، ص : ١٩٢
وقوله سبحانه : فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [٢٦] وهذه استعارة. لأن الإتيان هاهنا ليس يراد به الحضور عن غيبة، والقرب بعد مسافة. وإنما ذلك كقول القائل : أتيت من جهة فلان. أي جاءنى المكروه من قبله. وأتى فلان من مأمنه.
أي ورد عليه الخوف من طريق الأمن، والضر من مكان النفع.
[سورة النحل (١٦) : آية ٢٨]
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
وقوله سبحانه فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [٢٨]. وهذه استعارة.
وليس هناك شىء يلقى على الحقيقة. وإنما المراد بذلك طلب المسألة عن ذل واستكانة، والتماس وشفاعة. لأن من كلامهم أن يقول القائل : ألقى إلىّ فلان بيده. أي خضع لى، وسلّم لأمرى. وقد يجوز أيضا أن يكون معنى فألقوا السّلم. أي استسلموا وسلّموا.
فكانوا كمن طرح آلة المقارعة، ونزع شكّة المحاربة. وفى معنى ذلك قوله سبحانه :
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «١» أي لا تستسلموا لها، وتوقعوا نفوسكم فيها.
[سورة النحل (١٦) : آية ٤٠]
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)
وقوله سبحانه «٢» : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [٤٠].
وهذه استعارة. لأنه ليس هناك شىء على الحقيقة يؤمر ولا قول يسمع. وإنما هذا القول عبارة عن تحقيق الإرادة وسرعة وجود المراد، من غير معاناة ولا مشقة، فهو إخبار عن نفاذ قدرته تعالى. فإذا أراد أمرا كان لوقته، من غير أن يبطىء إيجاده، أو يتقاعس إنفاذه. وذلك بمنزلة قول أحدنا :«كن» فى خفة اللفظ به، وسرعة التعبير عنه، من غير كلفة تلحقه، ولا مشقة تعترضه.
وقيل إن معنى قوله سبحانه :(كن) علامة للملائكة يدلهم بها عند سماعهم لها على أنه سيحدث كذا، ويفعل كذا، من محكمات التقدير، ومبرمات التدبير.

(١) سورة البقرة. الآية رقم ١٩٥.
(٢) فى الأصل :«إنما أمرنا» وهو تحريف من الناسخ لكلام اللّه تعالى. والصحيح :«إنما قولنا لشىء إلخ - سورة النحل الآية رقم ٤٠.


الصفحة التالية
Icon