متن، ص : ١٩٣
[سورة النحل (١٦) : آية ٤٨]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)
وقوله سبحانه : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ [٤٨]. وهذه استعارة. لأن المراد بها رجوع الظلال من موضع إلى موضع.
والظلال على الحقيقة لا تتفيأ ولا تنقل، وإنما ترد الشمس عليها، ثم ترجع إلى ما كانت عليه، بعد أن تزول الشمس عنها، والشمس هى المتنقلة عليها، والظلال قائمة بحالها.
[سورة النحل (١٦) : آية ٦٩]
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)
وقوله تعالى فى صفة النحل العسّالة : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [٦٩]. وفى هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله تعالى : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا، على قول من جعل ذللا حالا للسّبل، لا حالا للنحل. والذّلل : جمع ذلول، وهى الطرق الموطّأة للقدم، السهلة على الحافر والمنسم، تشبيها لها بالإبل الذلل، وهى التي قد عوّدت الترحل، وألفت المسير.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ والمراد بذلك العسل. والعسل عند المحققين من العلماء غير خارج من بطون النحل، وإنما تنقله بأفواهها من مساقطه ومواقعه من أوراق الأشجار، وأضغاث النبات. لأنه يسقط كسقوط الندى فى أماكن مخصوصة، وعلى أوصاف معلومة، والنحل مهملة تتبع تلك المساقط، وتعهد تلك المواقع، فتنقل العسل بأفواهها إلى كواراتها «١» المواضع «٢» المعدّة لها. فقال سبحانه : يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها والمراد من جهة بطونها. وجهة بطونها : أفواهها.
وهذا من غوامض هذا البيان، وشرائف هذا الكلام.
(٢) هكذا بالأصل ولعلها «و المواضع» بواو عاطفة.