متن، ص : ١٩٤
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧)
وقوله سبحانه : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [٨٦] وهذه استعارة.
والمراد بإلقاء القول - واللّه أعلم - إخراج الكلام مع ضرب من الخضوع والاستكانة والإسرار والخفية، كما قال سبحانه : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ «١» وفى هذا الكلام مفعول محذوف. فكأنه قال تعالى : تلقون إليهم الأخبار بالمودة. وهذا القول نزل فى قوم من المؤمنين كانوا يجتمعون مع قوم من المنافقين بأرحام تلفّهم، وخلل «٢» تولد عنهم، فيتسقطونهم ليعرفوا منهم أخبار النبي صلّى اللّه عليه وسلم والمؤمنين، فنهوا عن مناقشتهم والاجتماع معهم. فكأن المعنى :
تلقون إليهم الأسرار بالمودة التي بينكم، على سبيل الإسرار والإخفاء.
وقد قيل إن المراد : تلقون «٣» إليهم المودة، فقال تعالى : بالمودّة، كما قال سبحانه :
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ «٤» أي تنبت الدهن على أحد التأويلين، ونظير التأويل الأول قوله سبحانه فى ذكر الشياطين : يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ «٥» أي يطلبون سماع الأخبار على وجه الاستخفاء والاستسرار. وهذا الوجه لا يصح «٦» فى قوله تعالى : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [٨٦] لأن الحال التي أخبر سبحانه بأن هذا يجرى فيها هى حال القيامة، وتلك حال لا يجوز فيها الاستسرار لقول، ولا الكتمان لسر، لأن السرائر مظهرة والضمائر مصحرة. «٧» وإنما المراد بهذا الكلام ما يقوله المعبودون لمن عبدهم من الأمة، إذ يقول سبحانه : وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ [٨٦]

(١) سورة الممتحنة. الآية رقم ١.
(٢) الخلل : جمع خلة وهى الصداقة والصحبة.
(٣) فى الأصل : يلقون.
(٤) سورة المؤمنون. الآية رقم ٢٠ [.....]
(٥) سورة الشعراء. الآية رقم ٢٢٣
(٦) فى الأصل : من قوله تعالى. وهو تحريف من الناسخ صوابه ما أثبتناه
(٧) أصحر الأمر : أظهره وأعلنه فى غير خفاء


الصفحة التالية
Icon