متن، ص : ١٩٥
فقال المعبودون لهم فى الجواب عن ذلك : إنكم لكاذبون، أي فى أنّا دعوناكم إلى العبادة، أو فى قولكم إننا آلهة. وقد يجوز أيضا أن يكون التكذيب من العابدين للمعبودين، فكأنهم قالوا لهم : كذبتم فى ادعائكم أنكم تستحقون العبادة من دون اللّه تعالى. فلم يبق إذن إلا الوجه الأول فى معنى إلقاء القول، وهو أن يكون على وجه الخضوع والضراعة، ويكون سبب هذه الاستكانة الخوف من اللّه سبحانه، لا خوف بعض الشركاء من بعض. ومثل ذلك قوله سبحانه عقب هذه الآية : وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [٨٧] أي استسلموا له عن ضرع ذلة، وانقطاع حيلة. ومن ذلك قولهم : ألقى فلان يد العاني. أي ذلّ ذلّ الأسير، وخضع خضوع المقهور.
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٤]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤)
وقوله سبحانه : وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها [٩٤] وهذه استعارة. لأن المراد بالقدم هاهنا الثبات فى الدين. ولما كان أصل الثبات فى الشيء والاستقرار عليه إنما يكون بالقدم، حسن أن يعبر عن هذا المعنى بلفظ القدم وكأن المراد بقوله تعالى : فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها أي يضعف دينكم، ويضطرب يقينكم، فيكون كالقدم الزّالة، والقائمة المائدة.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)
وقوله سبحانه : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [١٠٢] وهذه استعارة.
لأن المراد بذلك جبريل عليه السلام، والتقديس : الطهارة. وإنما سمّى روح القدس لأن حياة الدين وطهارة المؤمنين إنما تكون بما يحمله إلى الأنبياء عليهم السلام من الأحكام والشرائع، والآداب والمصالح.
وقوله سبحانه : لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [١٠٣] وهذه استعارة. لأن المراد باللسان هاهنا جملة القرآن وطريقته، لا العضو