متن، ص : ٢٠٠
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٤]
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
وقوله سبحانه : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [٢٤]. وهذه استعارة عجيبة، وعبارة شريفة. والمراد بذلك : الإخبات للوالدين، وإلانة القول لهما، والرفق واللطف بهما.
وخفض الجناح فى كلامهم عبارة عن الخضوع والتذلل، وهما ضد العلو والتعزز.
إذ كان الطائر إنما يخفض جناحه إذا ترك الطيران، والطيران هو العلوّ والارتفاع. وقد يستعار ذلك لفرط الغضب والاستشاطة «١». فيقال : قد طار فلان طيرة «٢». إذا غضب واستشاط. وقد أومأنا إلى هذا المعنى فيما تقدم من هذا الكتاب.
وإنما قال سبحانه : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [٢٤]. ليبين تعالى أن سبب الذل لهما الرأفة والرحمة، لئلا يقدر أنه الهوان والضراعة. وهذا من الأغراض الشريفة، والأسرار اللطيفة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٩]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)
وقوله سبحانه : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [٢٩] وهذه استعارة. وليس المراد بها اليد التي هى الجارحة على الحقيقة، وإنما الكلام الأول كناية عن التقتير، والكلام الآخر كناية عن التبذير وكلاهما مذموم، حتى يقف كل منهما عند حده، ولا يجرى إلا إلى أمده. وقد فسّر هذا قوله سبحانه : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «٣».
مثل استقام استقامة.
(٢) فى الأصل «طيره» بالهاء وهو تحريف. والصواب بالتاء المربوطة المنقوطة.
(٣) سورة الفرقان. الآية رقم ٦٧.