متن، ص : ٢٠٨
والذي أذهب إليه فى ذلك ما ذكرته فى كتابى الكبير على شرح واستقصاء، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ واللّه أعلم، أي أخذنا أسماعهم.
ويكون ذلك من قول القائل : قد ضرب فلان على مالى. أي أخذه وحال بينى وبينه، فأما تشبيه ذلك بالضرب على الكتاب حتى تشكل حروفه على المتأمل ففيه بعد وتعسّف.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك : وضربناهم على آذانهم، من الضرب الحقيقي، تشبيها بمن ضرب على سماخه «١»، فهو موقوذ «٢» مأموم «٣»، ومشدوه «٤» مغمور.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٤]
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)
وقوله سبحانه : وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [١٤]. الآية. وهذه استعارة. لأن الربط هو الشدّ. يقال : ربطت الأسير. إذا شددته بالحبل والقدّ»
والمراد بذلك : شددنا على قلوبهم كما تشد الأوعية بالأوكية «٦»، فتنضمّ على مكنونها، ويؤمن التبدد على ما استودع فيها. أي فشددنا على قلوبهم لئلا تنحلّ معاقد صبرها «٧» وتهفو عزائم جلدها. ومن ذلك قول القائل لصاحبه :
ربط اللّه على قلبك بالصبر.

(١) السماخ والصماخ واحد. وهو خرق الأذن الباطن الماضي إلى تجويف الرأس.
(٢) الموقوذ : المضروب ضربا شديدا حتى أشرف على الموت.
(٣) أمه : شجه، فهو مأموم.
(٤) المشدوه : المشدوخ الرأس.
(٥) القد : السير من الجلد.
(٦) الأوكية : جمع وكاء، وهو رباط القربة أو ما تشد به.
(٧) فى الأصل : صعرها. وهو تحريف، وقد أصلحناه من السياق فى لفظة الجلد المقابلة.


الصفحة التالية
Icon