متن، ص : ٢١٥
تمنع منه مستحقا، فتكون فى حكم الظالم إذ أضرت بمالكها فى نقصان زروعها، وإخلاف ثمارها. ومما يقوّى ذلك قوله سبحانه : آتَتْ أُكُلَها. أي أعطت أكلها. فلما جاء بلفظ الإعطاء حسن أن يجىء بلفظ الظلم. ومعناه هاهنا المنع. فكأنه تعالى قال : أعطت ما استحق عليها، ولم تمنع منه شيئا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧)
وقوله تعالى : وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [٥٦] وهذه استعارة. وأصل الدّحض الزّلق. ومكان دحض : أي مزلق. فكأنه سبحانه قال :
ليزلّوا الحق بعد ثباته، ويزيلوه عن مستقراته. فيكون كالكسير بعد قوته، والمائل بعد استقامته.
وقوله سبحانه : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ [٥٧]. وهذه استعارة. لأن المراد بذكر اليدين هاهنا ما كسبه الإنسان من العمل الذي يجر العقاب، ويوجب النكال. ومثله فى القرآن كثير. كقوله سبحانه :
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «١» وذلك على طريقة للعرب معروفة. وهو أن يقولوا للجانى المعاقب : هذا ما جنت يداك. وهذا ما كسبت يداك. وإن لم تكن جنايته عملا بيد، بل كانت قولا بفم. لأن الغالب على أفعال الفاعلين أن يفعلوها بأيديهم، فحمل الأمر على الأعرف، وخرج على الأكثر. وعلى هذا المعنى تسمى النعمة يدا، لأن المنعم فى الأغلب يعطى بيده ما ينعم به، وإن لم يقع ذلك فى كل حال، وإنما الحكم للأظهر، والقول على الأكثر.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٧]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)
وقوله سبحانه : فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ [٧٧] وهذه استعارة. لأن الإرادة على حقيقتها لا تصح على الجماد. والمعنى : يكاد أن ينقضّ، أي