متن، ص : ٢١٧
فأما قول الشاعر «١».
يريد الرمح صدر أبى براء ويرغب عن دماء بنى عقيل
فليس يصح حمله على مقاربة الفعل، كما قلنا فى قوله سبحانه : جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ لأنه لا يستقيم على الكلام أن يقول : يكاد الرمح صدر أبى براء. وإنما ذلك على سبيل الاستعارة، لأن صاحب الرمح إذا أراد ذلك كان الرمح كأنه مريد له. فأما قول الراعي يصف الإبل :
فى مهمه فلقت به هاماتها فلق الفؤوس إذا أردن نصولا «٢»
فإنه بمعنى مقاربة الفعل، لأن الفؤوس إذا فلقت فى نصبها قاربت أن تسقط، فجعل ذلك كالإرادة منها. والنصول هاهنا مصدر نصل نصولا، مثل وقع وقوعا. وهذا البيت من أقوى الشواهد على الآية.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٩]
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩)
وقوله سبحانه : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [٩٩] وهذه استعارة.
لأن أصل الموجان من صفات الماء الكثير، وإنما عبّر سبحانه بذلك عن شدة اختلافهم ودخول بعضهم فى بعض لكثرة أضدادهم، تشبيها بموج البحر المتلاطم، والتفاف الدبا «٣» المتعاظل.
(٢) لم ينسب هذا البيت لقائله فى القرطبي ج ١١ ص ٢٦.
(٣) الدبا : الجراد الصغير، أو النمل. والمتعاظل : المتراكب بعضه فى بعض