متن، ص : ٢٢٣
الحكمة فى إخفاء وقتها، ليكون الخلق فى كل حين وزمان على حذر من مجيئها، ووجل من بغتتها «١»، فيستعدوا قبل حلولها، ويمهدوا قبل نزولها.
ويقوى ذلك قوله سبحانه : لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى [١٥].
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢)
وقوله سبحانه : قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ، سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [٢١] وهذه استعارة. لأن المراد بالسيرة هاهنا الطريقة والعادة. وأصل السيرة مضىّ الإنسان فى تدبير بعض الأمور على طريقة حسنة أو قبيحة. يقال : سار فلان الأمير فينا سيرة جميلة. وسار بنا سيرة قبيحة. ولكن موسى عليه السلام لما كان يصرف عصاه - قبل أن تنقلب «٢» حية - فى أشياء من مصالحه، كما حكى سبحانه عنه بقوله : هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها، وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي «٣» وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) ثم قلبت حية، جاز أن يقول تعالى : سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أي إلى الحال التي كنت تصرفها معها فى المصالح المذكورة، لأن تصرفها فى تلك الوجوه كالسيرة لها، والطريقة المعروفة منها.
والمراد : سنعيدها إلى سيرتها الأولى. فانتصبت السيرة بإسقاط الجار «٤».
وقوله سبحانه : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [٢٢] وهذه استعارة. والمراد بها - واللّه أعلم - وأدخل يدك فى قميصك مما يلى إحدى جهتى يديك.
وسميت تلك الجهتان جناحين، لأنهما فى موضع الجناحين من الطائر. ويوضح عما ذكرنا قوله سبحانه فى مكان آخر : وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ «٥» والجيب فى جهة إحدى اليدين.

(١) فى الأصل : بعثتها، وهو تحريف من الناسخ.
(٢) فى الأصل :(تعلب) وهى تحريف.
(٣) سورة طه. الآية رقم ١٨.
(٤) إذا نزع الخافض، أو سقط الجار انتصب الاسم بعده بدلا من جره.
(٥) سورة النمل. الآية رقم ١٢.


الصفحة التالية
Icon