متن، ص : ٢٣٠
عما يعقل مثل قوله تعالى : إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «١». ومثل قوله سبحانه : قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٢» فقال : ادخلوا ولم يقل ادخلن. لأن خطابها لما خرج على مخرج خطاب من يعقل كان الأمر لها على مثال أمر من يعقل. وقد مضى الكلام على ذلك فيما تقدم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٧]
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)
وقوله سبحانه : خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [٣٧]. وهذه استعارة. والمراد أن الإنسان خلق مستعجلا بطلب «٣» ما يؤثره، واستطراف ما يحذره. واللّه سبحانه إنما يعطيه ما طلب، ويصرف عنه ما رهب، على حسب ما يعلمه من مصالحه، لا على حسب ما يسنح من مآربه.
وقيل ذلك على طريق المبالغة فى وصف الإنسان بالعجلة، كما يقال فى الرجل الذكي :
إنما هو نار تتوقد، وللإنسان البليد : إنما هو حجر جلمد.
فأما من قال من أصحاب التفسير : إن العجل هاهنا اسم من أسماء الطين، وأورد عليه شاهدا من الشعر، فلا اعتبار بقوله، ولا التفات إلى شاهده، فإنه شعر مولد «٤» وقول فاسد.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٦]
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)
وقوله سبحانه : وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ [٤٦]. ولفظ النفحة هاهنا مستعار. والمراد بها إصابة الشيء اليسير من العذاب.

(١) سورة يوسف. الآية رقم ٤.
(٢) سورة النمل. الآية رقم ١٨.
(٣) فى الأصل :(يطلب) بالياء المثناة التحتية. وهو تحريف.
(٤) أما الشعر الذي أنشدوه ليثبتوا به أن العجل هو الطين، فهو قول الشاعر :
والنبع فى الصخرة الصماء منبته والنخل ينبت بين الماء والعجل انظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبى ج ١١ ص ٢٨٩.


الصفحة التالية
Icon