متن، ص : ٢٣٢
الكلام من حد الاستعارة. وهو أن يكون قوله تعالى : يُسَبِّحْنَ هاهنا مأخوذا من التسبيح، وهو الإبعاد فى السير، والتصرف فى الأرض. لا من التسبيح. فكأنه تعالى قال : وسخّرنا مع داود الجبال يسرن فى الأرض معه، ويتصرفن على أمره، طاعة له. ونظير ذلك قوله سبحانه فى «سبأ» : يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ «١» أي سيرى معه. والتأويب السير.
وإنما قال تعالى : يُسَبِّحْنَ عبارة عنها بتكثير الفعل من السّبح.
وقال سبحانه : إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا «٢» أي تصرفا ومتسعا. ومجالا ومنفسحا.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩١]
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١)
وقوله سبحانه : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها، فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [٩١].
وهذه استعارة. والمراد هاهنا بالروح : إجراء روح المسيح عليه السلام فى مريم عليها السلام، كما يحرى الهواء بالنفخ. لأنه حصل معها من غير علوق من ذكر، ولا انتقال من طبق إلى طبق. وأضاف تعالى الروح إلى نفسه، لمزية الاختصاص بالتعظيم، والاصطفاء بالتكريم. إذا كان خلقه المسيح عليه السلام، من غير توسط مناكحة، ولا تقدم ملامسة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٣]
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣)
وقوله سبحانه : وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ [٩٣]. وهذه استعارة. والمراد بها : أنهم تفرقوا فى الأهواء، واختلفوا فى الآراء، وتقسمتهم المذاهب، وتشعبت بهم الولائج «٣». ومع ذلك فجميعهم راجع إلى اللّه سبحانه، على أحد وجهين :
(٢) سورة المزمل. الآية رقم ٧.
(٣) الولائج : جمع وليجة، وهى بطانة الإنسان ومن يتخذه معتمدا عليه من غير أهله. [.....]