متن، ص : ٢٣٣
إمّا أن يكون ذلك رجوعا فى الدنيا. فيكون المعنى : أنهم وإن اختلفوا فى الاعتقادات صائرون إلى الإقرار بأن اللّه سبحانه خالقهم ورازقهم، ومصرفهم ومدبرهم. أو يكون ذلك رجوعا فى الآخرة، فيكون المعنى أنهم راجعون إلى الدار التي جعلها اللّه تعالى مكان الجزاء على الأعمال، وموفّى الثواب والعقاب وإلى حيث لا يحكم فيهم، ولا يملك أمرهم إلا اللّه سبحانه.
وشبّه تخالفهم فى المذاهب، وتفرقهم فى الطرائق، مع أن أصلهم واحد، وخالقهم واحد، بقوم كانت بينهم وسائل متناسجة، وعلائق متشابكة، ثم تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق، وشذب تلك الوصائل، فصاروا أخيافا «١» مختلفين، وأوزاعا «٢» مفترقين.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٨]
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨)
وقوله سبحانه : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [٩٨] هذه استعارة. لأن الحصب هو ما يرمى به من الحصباء، وهى الحصا الصغار. يقال : حصب فلان فلانا. إذا قذفه بالحصا. ويقولون : حصبنا الجمار. أي قذفنا فيها بالحصبات «٣». فشبّه سبحانه قذفهم فى نار جهنم بالحصباء التي يرمى بها. من ذلّ مقاذفهم، وهوان مطارحهم.
وفى ذلك أيضا معنى لطيف، وهو أنه سبحانه لما قال : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ والمراد هاهنا - واللّه أعلم - بما تعبدون : الأصنام، والأغلب

(١) الأخياف : المختلفون. يقال : هم إخوة أخياف، أي أمهم واحدة والآباء شتى.
(٢) الأوزاع : الجماعات. ولا واحد لها.
(٣) فى الأصل «بالحصيات» بالياء المثناة التحتية. وهو تحريف، والصواب بالحصبات. بالباء الموحدة التحتية.


الصفحة التالية
Icon