متن، ص : ٢٣٨
والتسخير، فيحسن لذلك أن يسمّى ساجدا على أصل السجود فى اللغة، لأنه الخضوع والاستكانة. أو يكون ذلك على معنى آخر، وهو أن الذي يظهر فى الأشياء التي عدّدها، من دلائل الصنعة، وأعلام القدرة، يدعو العارفين الموقنين إلى السجود، ويبعثهم على الخضوع، اعترافا له سبحانه بالاقتدار، وإخباتا له بالإقرار. وذلك كما تقدّم من قولنا فى تسبيح الطير والجبال.
وقوله سبحانه : فَالَّذِينَ «١» كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ [١٩] وهذه استعارة. والمراد بها أن النار - نعوذ باللّه منها - تشتمل عليهم اشتمال الملابس على الأبدان، حتى لا يسلم منها عضو من أعضائهم، ولا يغيب عنها شىء من أجسادهم.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك - واللّه أعلم - أن سرابيل القطران التي ذكرها سبحانه، فقال سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ «٢» إذا لبسوها واشتعلت النار فيها صارت كأنها ثياب من نار، لإحاطتها بهم واشتمالها عليهم.
[سورة الحج (٢٢) : آية ٤٦]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)
وقوله سبحانه : فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [٤٦] وهذه استعارة. لأن المراد بها ذهول القلوب عن التفكر فى الأدلة التي تؤدى إلى العلم. وذلك فى مقابلة قوله تعالى : ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «٣» فإذا وصف القلب عند تبيين الأشياء بالرؤية «٤» والإبصار، جاز أن يوصف عند الغفلة والذهول

(١) فى الأصل :«و الذين» بالواو، وهو تحريف من الناسخ.
(٢) سورة إبراهيم. الآية رقم ٥٠.
(٣) سورة النجم الآية رقم ١١.
(٤) فى الأصل :«بالروية بدون همز الواو. وهو تحريف يضيع المعنى.


الصفحة التالية
Icon