متن، ص : ٢٣٩
بالعمى والضلال. وإنما جعلت القلوب هاهنا بمنزلة العيون، لأن بالقلوب يوصل إلى المعلومات، كما أن بالعيون يوصل إلى المرئيات. ولأن الرؤية «١» ترد فى كلامهم بمعنى العلم.
ألا تراهم يقولون : هذا الشيء منى بمرأى ومسمع. أي بحيث أعرفه وأعلمه، ولا يريدون بذلك نظر العين، ولا سمع الأذن.
وفى قوله سبحانه : فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ معنى عجيب، وسر لطيف. وذلك أن سبحانه لم يرد نفى العمى عن الأبصار جملة. وكيف يكون ذلك وما يعرض من عمى كثير منها أشهر من أن نومئ «٢» إليه، وندل «٣» عليه ؟ وإنما المراد - واللّه أعلم - أن الأبصار إذا كانت معها آلة الرؤية من سلامة الأحداق، واتصال الشعاعات لم يجز أن لا ترى ما لا مانع لها من رؤيته. والقلوب بخلاف هذه الصفة بها، قد يكون فيها آلة التفكر والنظر من سلامة البنية، وصحة الروية وزوال الموانع العارضة، ثم هى مع ذلك لاهية عن النظر، ومتشاغلة عن التفكر. فلذلك أفردها اللّه سبحانه بصفة العمى عن الأبصار على الوجه الذي بيّناه مع الفائدة.
فأما الفائدة فى قوله سبحانه : وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [٤٦] والقلب لا يكون إلا فى الصدر، فإن هذا الاسم الذي هو القلب لما كان فيه اشتراك بين مسمّيات كقلب الإنسان، وقلب النخلة، والقلب الذي هو الصميم والصريح. من قولهم هو عربىّ «٤» قلبا، والقلب الذي هو مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبا، حسن أن يزال اللّبس بقوله تعالى : الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ احترازا من تجويز الاشتراك.

(١) فى الأصل :«الروية» وهو تحريف سبق فى رقم ٣.
(٢) فى الأصل «يومى» بدون نقط.
(٣) فى الأصل :«و يدل» بدون نقط.
(٤) فى الأصل «عرى» وهو تحريف من الناسخ. وفى «الأساس» للزمخشرى : هو أعرابى قلب. أي محض واسط فى قومه.


الصفحة التالية
Icon