متن، ص : ٢٥٠
وقوله تعالى : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [٢٤] وهذه استعارة. لأن المقيل من صفات المواضع التي ينام فيها، ولا نوم فى الجنة. وتقدير الكلام :
وأحسن موضع قائلة. فكأن ذلك المكان من وثارة مهاده، وبرد أفيائه، يصلح أن ينام فيه لو كان ذلك جائزا. وهذا كقوله سبحانه فى ذكر أصحاب الجنة : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا «١» أي مثل أوقات البكرة والعشىّ المعهودين فى حال الدنيا. لأن الجنة لا يوصف زمانها بالأيام والليالى، لأن ذلك من صفات الزمان الذي تتعاقب عليه الشمس طالعة وغاربة، فيسمّى نهارا بطلوعها، ويسمّى ليلا بقبوعها «٢» وقوله سبحانه : وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [٢٥].
وهذه استعارة. والمراد بها - واللّه أعلم - على أحد القولين صفة السماء فى ذلك اليوم بتعاظم الغمام فيها، وانتشاره فى نواحيها. كما يقول القائل : قد تشققت الغمائم بالبرق، وتشققت السحاب بالرعد. إذا كثر ذلك فيها. ليس أن هناك تشققا على الحقيقة، فى قول أهل الشرع. وقيل أيضا : إن المراد بذلك انتقاض بنية السماء وتغيرها إلى غير ماهى عليه الآن، كما تظهر فى البناء آثار التداعي، وأعلام التهافت، من تثلّم أطراف، وتفطّر أقطار، فيكون ذلك مؤذنا بانقضاضه، ومنذرا بانتقاضه.
وقال سبحانه : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ «٣».
وقال تعالى : يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ «٤». ويكون انتقاض

(١) سورة مريم. الآية رقم ٦٢.
(٢) القبوع : الاختفاء ومنه : قبع النجم أي ظهر ثم خفى.
(٣) سورة إبراهيم. الآية رقم ٤٨. [.....]
(٤) سورة الأنبياء. الآية رقم ١٠٤ وقد سبق الحديث عن قراءة «للكتاب» و«للكتب» بالمفرد والجمع، فى سورة الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon