متن، ص : ٢٥٢
ربك أو إلى حكمة ربك فى مد الظل، فحذف هذه اللفظة لدلالة الكلام عليها، إذ كان اللّه سبحانه لا يدرك بالمشاعر، ولا يرى بالنواظر. وقد يجوز أن يكون معنى الرؤية هاهنا معنى العلم. فكأنه سبحانه قال : ألم تعلم حكمة ربك فى مدّ الظل ؟ وإنما أقام سبحانه الرؤية هاهنا مقام العلم لتحقّق المخاطب الذي هو النبي صلّى اللّه عليه وسلم وجهة اللّه تعالى فى ذلك الفعل، فقامت معرفة قلبه مقام رؤية عينه، قطعا باليقين، وبعدا عن الظنون.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وهذه استعارة على القلب. لأن الظل فى الشاهد يدل على الشمس، وذلك أن الظل لا يكون إلا وهناك شمس طالعة، فيوصف ما لم تطلع عليه لحاجز يحجز، أو مانع يمنع بأنه ظل. وقد قيل : إن الظل ما كان بالغداة، والفيء ما كان بالعشيّ. وقيل : إن الظل ما نسخته الشمس، والفيء ما نسخ الشمس، فعلى هذا القول يجوز أن يكون معنى قوله تعالى : وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي دائما لا ترد الشمس عليه فتزيله وتذهب به، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا.
أي دللناها عليه، فهى تتحيّف من أقطاره، وتنتقص من أطرافه، حتى تستوفى أجمعه، وتكون بدلا منه. فهذا معنى قوله تعالى : ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً [٤٦].
ويجوز أن يكون معنى دلالة الشمس على الظل أنه لو لا الشمس لم يعرف الظل.
ويجوز أن يقول : لو لا الظل لم تعرف الشمس.
وقوله سبحانه : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً، وَالنَّوْمَ سُباتاً، وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً [٤٧]. وفى هذه الآية استعارتان. فإحداهما قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً. والمراد باللباس هاهنا - واللّه أعلم - تغطية ظلام الليل النّشوز والقيعا [ن «١»، و] أشخاص الحيوان كما تغطّى الملابس الضّافية، وتستر الجنن الواقية.
وهذه العبارة من أفصح العبارات عن هذا المعنى.