متن، ص : ٢٦١
والإجابة، والمخاشنة والملاينة. فلما قوى فى نفسها أمر الملاطفة عزمت على فعله، فحسن أن يعبّر عن ذلك بقطع الأمر، لما أشرنا إليه.
وعلى هذا قول الرجل لصاحبه : لا أقطع أمرا دونك. أي لا أقرر العزم على شىء حتى أفاوضك فيه وأوافقك عليه. وقد يجوز أن يكون ذلك كناية عن الاستعجال بفعل الأمر تشبيها بسرعة قطع الشيء المستدقّ كالحبل وغيره. ومنه قولهم : صرم الأمر. أي فرغ من فعله بسرعة. والصّريمة من ذلك. وفصل الأمر أيضا قريب منه.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٠]
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
وقوله سبحانه : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [٤٠] وهذه استعارة.
لأن المراد بارتداد الطّرف هاهنا التقاء الجفنين بعد افتراقهما. وذلك أبلغ ما يوصف به فى السرعة. وليس هناك على الحقيقة شىء ذهب عنه ثم رجع إليه. ولكن جفن العين لمّا كان ينفتح وينطبق، أقام الانفتاح مقام الخروج، والانطباق مقام الرجوع.
وقيل فى ذلك وجه آخر. وهو أن فى مجرى عادة الناس أن يقول القائل لغيره إذا كان على انتظار أمر يرد عليه من جهته : أنا ممدود الطرف إليك، وشاخص البصر نحوك.
فإذا كان امتداد الطرف بمعنى الانتظار مستعملا، جاز أن يجعل ارتداده عبارة عن زوال الانتظار. فكأنه قال : أنا آتيك به قبل أن تتكلف أمر انتظار، وتعدّ الأوقات.
والقول الأول أولى بالاعتماد، وأخلق بالصواب «١».
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٦]
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)
وقوله تعالى : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها، بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ [٦٦] وهذه استعارة. لأن العمى هنا ليس يراد به فقد الجارحة المخصوصة، وإنما

(١) فى الأصل :«بالصوب» وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon