متن، ص : ٢٧٤
فأصبح لا يدرى وإن كان حازما أقدّامه خير له أم وراؤه.
وأما قوله سبحانه : فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فهو أيضا فى معنى الختم والطّبع، وواقع على الوجه الذي يقعان عليه. وقد تقدم إيماؤنا إليه.
[سورة يس (٣٦) : آية ٣٧]
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)
وقوله سبحانه : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ [٣٧].
وهذه استعارة. والمراد نخرج منه النهار، ونستقصى تخليص أجزائه، حتى لا يبقى من ضوء النهار شىء مع ظلمة الليل، فإذا الناس قد دخلوا فى الظلام. وهذا معنى قوله تعالى : فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ كما يقال : أفجروا. إذا دخلوا فى الفجر، وأنجدوا. وأتهموا.
إذا دخلوا نجدا وتهامة.
والسّلخ : إخراج الشيء مما لابسه والتحم به. فكل واحد من الليل والنهار متصل بصاحبه اتصال الملابس بأبدانها، والجلود بحيوانها. ففى تخليص أحدهما من الآخر - حتى لا يبقى معه منه ظرف، ولا عليه منه أثر - آية باهرة، ودلالة قاهرة «١». فسبحان اللّه رب العالمين.
[سورة يس (٣٦) : آية ٥٢]
قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)
وقوله سبحانه فى ذكر البعث : قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [٥٢] وهذه استعارة. لأن المرقد هاهنا عبارة عن الممات، فشبّهوا حال موتهم بحال نومهم، لأنها أشبه الأشياء بها. وكذلك قوة شبه حال الاستيقاظ بحال الإحياء والإنشار. وعلى ذلك قوله عليه السلام :(إنّكم تموتون كما تنامون، وتبعثون كما تستيقظون) «٢». وقال بعضهم : الاستعارة هاهنا أبلغ من الحقيقة. لأن

(١) هكذا بالأصل. ولا معنى للدلالة القاهرة. ولعلها طاهرة.
(٢) هذا الحديث من خطبة له عليه السلام، وهى أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه إلى الإسلام.
وهى فى كتاب «جمهرة خطب العرب» ج ١ ص ٥١. وقد نقلها عن «السيرة الحلبية» ج ١ ص ٢٧٢، وعن «الكامل» لابن الأثير ج ٢ ص ٢٧.


الصفحة التالية
Icon