متن، ص : ٢٩٠
والاستعارة [ «١» الأخرى ] قوله سبحانه : يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والرّوح هاهنا كناية عن الوحى كقوله تعالى : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «٢» وإنما سمّى روحا لأن الناس يحيون به من موت الضلالة، وينشرون من مدافن الغفلة. وذلك أحسن تشبيه، وأوضح تمثيل.
[سورة غافر (٤٠) : آية ١٩]
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)
وقوله سبحانه : يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ [١٩] وهذه استعارة. والمراد بخائنة الأعين - واللّه أعلم - الرّيب فى كسر الجفون، ومرامز العيون.
وسمّى سبحانه ذلك خيانة، لأنه أمارة للريبة، ومجانب للعفة.
وقد يجوز أن تكون خائنة الأعين هاهنا صفة لبعض الأعين بالمبالغة فى الخيانة، على المعنى الذي أشرنا إليه. كما يقال : علّامة، ونسّابة.
وأنشدوا قول الشاعر «٣» فى مثل ذلك :
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مغلّ الأصبع
أي لم تكن موصوفا بالمبالغة فى الخيانة. ومعنى مغلّ الأصبع : أي سارق مختلس.
(٢) سورة الشورى. الآية رقم ٥٢. [.....]
(٣) لم ينسبه المؤلف لقائله. وفى «شرح شواهد الكشاف» للعلامة محب الدين : أنه للشاعر الكلابي. وقد استشهد به الإمام الزمخشري فى تفسيره عند ما تحدث عن قوله تعالى فى سورة النساء :
(و لا تزال تطلع على خائنة منهم).