متن، ص : ٢٩٤
وأما قوله سبحانه : قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فكان وجه الكلام أن يكون طائعتين، أو طائعات ردا على معنى التأنيث. فالمراد به - واللّه أعلم - عند بعضهم : قالتا أتينا بمن فينا من الخلق طائعين. فكان (طائعين) وصفا للخلق المميزين، لا وصفا للسموات والأرض.
وقال بعضهم : لمّا تضمّن الكلام ذكر السموات والأرض فى الخطاب لهما، والكناية عنهما بما يخاطب به أهل التمييز ويكنى به عن السامعين الناطقين، أجريتا فى رد الفعل إليهما مجرى العاقل اللبيب، والسامع المجيب. وذلك مثل قوله تعالى :
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «١». ولو أجرى اللفظ على حقيقته، وحمل على محجّته لقيل ساجدات. ولكن المراد بذلك لما كان ما أشرنا إليه حسن، أن يقال ساجدين، وطائعين.
[سورة فصلت (٤١) : آية ١٧]
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
وقوله سبحانه : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [١٧] وهذه استعارة. والمراد بالعمى هاهنا ظلام البصيرة، والمتاه فى الغواية. فإن ذلك أخفّ على الإنسان وأشد ملاءمة للطباع، من تحمل مشاق النظر، والتلجيج فى غمار الفكر.
[سورة فصلت (٤١) : آية ٢٣]
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
وقوله تعالى : وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [٢٣] وهذه استعارة. لأن الظن الذي ظنوه على الحقيقة لم يردهم بمعنى يهلكهم. وإنما أهلكهم اللّه سبحانه جزاء على ما ظنوه به من الظنون السيئة، ونسبوه إليه من الأفعال القبيحة. فلما كان ذلك الظن سببا فى هلاكهم جاز أن ينسب إليه الهلاك الواقع بهم.

(١) سورة يوسف. الآية رقم ٤.


الصفحة التالية
Icon