تلخيص البيان، متن، ص: ٣٣٩
بصرك إلى السماء مفكرا فى عجائبها، ومستنبطا غوامض تركيبها، يرجع إليك بصرك بعيدا مما طلبه، ذليلا «١» بفوت ما قدّره.
والخاسئ فى قول قوم: البعيد. من قولهم: خسأت الكلب. إذا أبعدته. وفى قول قوم: هو الذليل «٢». يقال رجل خاس أي ذليل، وقد خسى أي خضع وذلّ.
والحسير: البعير المعيى، الذي قد بلغ السير مجهوده، واعتصر عوده. فتلخيص المعنى أن البصر يرجع بعد سروحه فى طلب مراده، وإبعاده فى غايات مرامه، كالّا معيى «٣»، بعيدا من إدراك بغيته، خائبا من نيل طلبته.
[سورة الملك (٦٧): الآيات ٧ الى ٨]
إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهاأَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨)
وقوله سبحانه فى صفة نار جهنم نعوذ باللّه منها: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ، تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [٧، ٨] الآية.
وفى هذا الكلام استعارتان. إحداهما قوله تعالى: سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ والشهيق: الصوت الخارج من الخوف عند تضايق القلب من الحزن الشديد، والكمد الطويل. وهو صوت مكروه السماع. فكأنه سبحانه وصف النار بأنّ لها أصواتا مقطعة تهول من سمعها، ويصعق من قرب منها.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ من قولهم:
تغيظت القدر. إذا اشتد غليانها، ثم صارت الصفة به مخصوصة بالإنسان المغضب. فكأنه سبحانه وصف النار - نعوذ باللّه منها - بصفة المغيظ الغضبان، الذي من شأنه إذا بلغ ذلك الحد أن يبالغ فى الانتقام، ويتجاوز الغايات فى الإيقاع والإيلام.
وقد جرت عادتهم فى صفة الإنسان الشديد الغيظ بأن يقولوا: يكاد فلان يتميز غيظا.
_________
(١) فى الأصل «دليلا» بالدال المهملة وهو تحريف من الناسخ.
(٢) فى الأصل «الدليل» بالدال المهملة، وهو تحريف. [.....]
(٣) الكال: هو الذي أدركه الكلال. والمعيي: هو الذي أدركه الإعياء.