تلخيص البيان، متن، ص: ٣٤٤
والمراد بها قريب من المراد بالاستعارتين الأوليين «١»، وهو تشبيه للماء فى طموّ أمواجه، وارتفاع أثباجه بحال الرجل الطاغي، الذي علا متجبرا، وشمخ متكبرا.
وقال بعضهم: معنى طغى الماء أي كثر على خزّانه، فلم يضبطوا مقدار ما خرج منه كثرة، لأن للماء خزنة، وللرياح خزنة من الملائكة عليهم السلام، يخرجون منهما على قدر ما يراه اللّه سبحانه من مصالح العباد، ومنافع البلاد، على ما وردت به الآثار.
[سورة الحاقة (٦٩): آية ٢١]
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١)
وقوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [٢١] وهذه استعارة. وكان الوجه أن يقال: فى عيشة مرضيّة. ولكن المعنى خرج على مخرج قولهم: شعر شاعر، وليل ساهر.
إذا شعر فى ذلك الشعر وسهر فى ذلك الليل، فكأنهما وصفا بما يكون فيهما، لا بما يكون منهما. فبان أنّ تلك العيشة لما كانت بحيث يرضى الإنسان فيها حاله جاز أن توصف هى بالرضا. فيقال راضية. على المعنى الذي أشرنا إليه. وعلى ذلك قول أوس بن حجر «٢».
جدلت على ليلة ساهرة بصحراء شرج إلى ناظره «٣»
وصف الليلة بصفة الساهر فيها، وظاهر الصفة أنها لها.
وقال بعضهم: إنما قال تعالى: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ لأنها فى معنى: ذات رضى، كما قيل: لابن، وتامر. أي ذو لبن، وتمر.
وكما قالوا لذى الدّرع: دارع، ولذى النّبل: نابل، ولصاحب الفرس: فارس. وإنما
_________
(١) فى الأصل «الأولتين» وهو تحريف شنيع من الناسخ.
(٢) هو أوس بن حجر بن مالك التميمي، كان شاعر تميم فى الجاهلية، وعمر طويلا، ولم يدرك الإسلام. وفى شعره رقة وحكمة. وهو صاحب الأبيات المشهورة التي أولها:
أيتها النفس أجملى جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا
(٣) البيت فى «الأغانى» ج ١١ ص ٧٢. وفى مخطوطتنا هذه «حدلت» بالحاء المهملة، وفى أصول «الأغانى» خذلت بالخاء والذال المعجمتين. وجدلت: صرعت. وشرج، وناظرة: اسما مكان بأرض بنى أسد.


الصفحة التالية
Icon