هوى القرآن وليس نازلا بالقرآن على هوى نفسه ثم انتبذ منه مكانا قصيا لا تسمع فيه جرس حروفه ولكن تسمع حركاتها وسكناتها ومداتها وغناتها واتصالاتها وسكتاتها ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وقد جردت تجريدا وأرسلت ساذجة في الهواء فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب لا تجده في الكلام آخر لو جرد هذا التجريد وجود هذا التجويد ستجد اتساقا وائتلافا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر على أنه ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر وستجد شيئا آخر لا تجده في الموسيقى ولا في الشعر ذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد في الأوزان فيها بيتا بيتا وشطرا شطرا وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أهواؤها وتذهب مذهبا متقاربا فلا يلبث سمعك أن يمجها وطبعك أن يملها إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد بينما أنت من القرآن أبدا في لحن متنوع متجدد تنتقل فيه بين أسباب وأوتاد وفواصل على أوضاع مختلفة يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء فلا يعروك منه على كثرة ترداده ملالة ولا سأم بل لا تفتأ تطلب منه المزيد هذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن حتى الذين لا يعرفون لغة العرب فكيف يخفى على العرب أنفسهم وترى الناس قد يتساءلون لماذا كانت العرب إذا اختصمت في القرآن قارنت بينه وبين شعر نفيا وإثباتا ولم تعرض لسائر كلامها من الخطابة وغيرها