الذي يطمح إليه ولا يطاوعه والكمال البياني الذي يتعلق به خياله ولا يناله إلا كباسط كفيه إلا الماء ليبلغ فاه وما هو ببلغه هذا حظ الكلام البليغ عند قائله فما ظنك بناقديه ومنافسيه وهذا وهو إنما يعمد إلى غاية واحدة فكيف لو عمد معها إلى الغاية الأخرى وحاول أن يضع هذه الثروة المعنوية في لفظ قاصد وأني يكون له ذلك وهو سجين هذه الفطرة الإنسانية التي لا تقرب به من أحد طرفي الطريق إلا بمقدار ما تبعد به عن الطرف الآخر ولئن ظفرت بأحد وفق لتقريب تينك الغايتين إلى حد ما في جملة أو جملتين فتربص به كيف يكون أمره بعد ذلك وانظر كيف يدركه الكلال والإعياء وفترة الطبع الإنساني فينحل من عقدة كلامه ما كان وثيقا ويذبل من زهرته ما كان غضا طريا ثم لا يعود إلى قوته إلا في الشيء بعد الشيء كما تصادف في التراب قطعة من التبر هاهنا وقطعة هنالك فتقول هذا نفيس جيد وهذا أنفس وأجود وهذا هو واسطة العقد وبيت القصيد سل العلماء بنقد الشعر والكلام هل رأيتم قصيدة أو رسالة كلها أو جلها معنى ناصع ولفظ جامع ونظم رائع لقد أجمعت كلمتهم على أن أبرع الشعراء لم يبلغوا مرتبة الإجادة إلا في أبيات محدودة من قصائد معدودة وكان لهم من وراء ذلك المتوسط والرديء والغث والمستكره وكذلك قالوا في الكتاب والخطباء والأمر فيهم أبين فإن سرك أن ترى كيف تجتمع هاتان الغايتان على تمامهما بغير فترة ولا انقطاع فانظر حيث شئت من القرآن الكريم تجد بيانا قد قدر على حاجة النفس أحسن تقدير فلا تحس فيه بتخمة الإسراف ولا بمخمصة التقتير يؤدي لك من كل معنى صورة نقية وافية نقية لا يشوبها شيء مما هو


الصفحة التالية
Icon