الأشياء من لذة وألم والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا فهل رأيت هذا التمام في كلام الناس لقد عرفنا كلام العلماء والحكماء وعرفنا كلام الأدباء والشعراء فما وجدنا من هؤلاء ولا هؤلاء إلا غلوا في جانب وقصورا في جانب فأما الحكماء فإنما يؤدون إليك ثمار عقولهم غذاء لعقلك ولا تتوجه نفوسهم إلى استهواء نفسك واختلاب عاطفتك فتراهم حين يقدمون إليك حقائق العلوم لا يأبهون لما فيها من جفاف وعرى ونبو عن الطباع وأما الشعراء فإنما يسعون إلى استثارة وجدانك وتحريك أوتار الشعور من نفسك فلا يبالون بما صوروه لك أن يكون غيا أو رشدا وأن يكون حقيقة أو تخيلا فتراهم جادين وهم هازلون يستبكون وإن كانوا لا يبكون ويطربون وإن كانوا لا يطربون والشعراء يتبعهم الغاون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون وكل امرئ حين يفكر فإنما هو فيلسوف صغير وكل امرئ حين يحس ويشعر فإنما هو شاعر صغير فسل علماء النفس هل رأيتم أحدا تتكافأ فيه قوة التفكير وقوة الوجدان وسائر القوى النفسية على سواء ولو مالت هذه القوى إلى شيء من التعادل عند قليل من الناس فهل ترونها تعمل في النفس دفعة وبنسبة واحدة يجيبوك بلسان واحد كلا بل لا تعمل إلا مناوبة في حال بعد حال وكلما تسلطت واحدة منهن اضمحلت الأخرى وكاد ينمحي أثرها فالذي ينهمك