البيان و الإجمال وهذه عجيبة أخرى تجدها في القرآن ولا تجدها فيما سواه ذلك أن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم لم تتسع لتأويل وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام أو الإلباس أو إلى اللغو الذي لا يفيد ولا يكاد يجتمع لهم هذان الطرفان في كلام واحد وتقرأ القطعة من القرآن فتجد في ألفاظها من الشفوف والملاسة والإحكام والخلو من كل غريب عن الغرض ما يتسابق به مغزاها إلى نفسك دون كد خاطر ولا استعادة حديث كأنك لا تسمع كلاما ولغات بل ترى صورا وحقائق ماثلة وهكذا يخيل إليك أنك قد أحطت به خبرا ووقفت على معناه محدودا هذا ولو رجعت إليه كرة أخرى لرأيتك منه بإزاء معنى جديد غير الذي سبق إلى فهمك أول مرة وكذلك حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة وجوها عدة كلها صحيح أو محتمل للصحة كأنما هي فص من الماس يعطيك كل ضلغ منه شعاعا فإذا نظرت إلى أضلاعه جملة بهرتك بألوان الطيف