كما تتبدد الصورة الواحدة على المرآة إذا لم يكن سطحها مستويا أليس الكلام هو مرآة المعنى فلا بد إذا لإبراز تلك الوحدة الطبيعية المعنوية من إحكام هذه الوحدة الفنية البيانية وذلك بتمام التقريب بين أجزاء البيان والتأليف بين عناصره حتى تتماسك وتتعانق أشد التماسك والتعانق ليس ذلك بالأمر الهين كما قد يظنه الجاهل بهذه الصناعة بل هو مطلب كبير يحتاج مهارة وحذقا ولطف حس في اختيار أحسن المواقع لتلك الأجزاء أيها أحق أن يجعل أصلا أو تكميلا وأيها أحق أن يبدأ به أو يختم أو يتبوأ مكانا وسطا ثم يحتاج مثل ذلك في اختيار أحسن الطرق لمزجها بالإسناد أو بالتعليق أو بالعطف أو بغيرها هذا كله بعد التلطف في اختيار تلك الأجزاء أنفسها والاطمئنان على صلة كل منها بروح المعنى وأنها نقية من الحشو قليلة الاستطراد وأن أطرافها وأوساطها تستوي في تراميها إلى الغرض ويستوي هو في استهدافه لها كما تستوي أبعاد نقط الدائرة بالقياس إلى المركز ويستوي هو بالقياس إلى كل منها تلك حال المعنى الواحد الذي تتصل أجزاؤه فيما بينها اتصالا طبيعيا فما ظنك بالمعاني المختلفة في جوهرها المنفصلة بطبيعتها كم من المهارة والحذق بل كم من الاقتدار السحري يتطلبه التأليف بين أمزجتها الغريبة واتجاهاتها المتشعبة حتى لا يكون الجمع بينها في الحديث كالجمع بين القلم والحذاء والمنشار والماء بل حتى يكون لها مزاج واحد واتجاه واحد وحتى يكون عن وحداتها الصغرى وحدة جامعة أخرى إنه من أجل عزة هذا المطلب نرى البلغاء وإن أحسنوا وأجادوا إلى حد ما في غرض غرض كان منهم الخطأ والإساءة في نظم تلك الأغراض كلا أو جلا فالشعراء حينما يجيئون في القصيدة الواحدة بمعان عدة أكثر ما يجيئون بها أشتاتا لا يلوي بعضها على بعض وقليلا


الصفحة التالية
Icon