بل انظر إلى الإنسان حين يأخذ في ترتيب أجزاء المركب بعد جمعها ألا تراه خاضعا لسنة السير الطبيعي التي يخضع لها كل سائر إلى غرض ما حسي أو عقلي فهو إن قطع سبيله خطوات لم يستطع أن يجتاز أخراها قبل أولاها وإن صعد فيه درجات لم يستطع أن يؤخر أسفلها عن أعلاها تلك حدود رسمتها قوانين الفطرة العامة فلا يستطيع أحد أن يتخطاها سواء في صناعاته المادية أو المعنوية فالبناء والحائك والكاتب والشاعر في هذه الحدود سواء ونضرب لك مثلا قد في نفسك أن رجلا نزل واديا فسيحا ليس عليه بنيان قائم وليس به شيء من مواد البناء وأنقاضه فما لبث أن أحس برجفة أرضية أو عاصفة سماوية وإذا قمة الجبل تنصدع قليلا فتلقى بجانبه صخرا أو بضعة صخور ثم تمضي فترة طويلة أو قصيرة وإذا هزة ثانية أو ثالثة تلقى إليه شظيات من الحديد والحمم أو نثارات من الفضة والذهب أترى أن هذا الرجل أو أن أحدا من العقلا يستطيع منذ اللحظات الأولى أن يضع تصميمه على إقامة مدينة جامعة من تلك المواد المتناثرة ومما عساه أن يجيء من أمثالها وأن يبدأ بالعمل في مهمة التخطيط والبنيان فما يدريه لعل هذه الظواهر لا تتكرر أمامه نزلة أخرى ثم ما يدريه أنها إن عادة كم مرة تعود وما نوع المادة التي تتساقط معها في كل مرة وكم عدة القطع في كل مادة من هذه المواد وكم عدة الأبنية التي يمكن إقامتها منها وما النظام الهندسي الخاص بكل بناء سعة وارتفاعا ونقشا وزخرفا وما ذرع الفضاء الذي ستشغله هذه الابنية جملة في هذا الجو المملوء غموضا وإبهاما لا يجرؤ عاقل أن يغامر بتصميمه في بناء كوخ حقير فضلا عن بلد كبير فضلا عن أن يهب من