فوره لإنقاذ عزمه فيمضي في مهمة البناء منذ وصلت إلى تلك اللبنات الأولى ولئن افترضت إنسانا غامر هذه المغامرة وأن المقادير سارعت في هواه وأسعفته بما شاء من مواد البناء الذي تخيله وتمناه أتراه يعمد إلى مخاطرة أخرى فيتخذ له في البناء أسلوبا يراغم به قانون الطبيعة بأن يؤلى على نفسه ألا يدع لبنة تصل إلى يديه إلا أنزلها في ساعة وصولها منزلها الخليق بها حيث كان ذلك على حين أن تلك اللبنات تتناثر خفافا وثقالا مختلفا ألوانها وأحجامها وعناصرها وطاقاتها فربما وقعت له الزخارف والشرفات قبل أن تقع له بعض القواعد والسافات وربما وقعت له على التوالي أجزاء ناقصة لتوضع في أماكن متفرقة من أبنية متباينة أفلا تراه إن ذهب يضع كل جزء ساعة نزوله في موضعه المعين لم يجد مناصا من أن يبدد أجزاء البناء هنا وهنا على أبعاد غير متساوية ولا متناسبة فيقارب بينها طورا ويباعد طورا ويعلو بها تراة وينزل تارة أخرى حتى لقد يبني أعلى البيت قبل أسفله ويمسك المحمول معلقا بدون حامله فكيف يطيق بشر كائنا من كان أن يضطلع بهذه المهمة ثم كيف يمضي قدما في هذا الأمر إلى نهايته فلا يعود إلى جزء ما ليزيله عن موضعه الذي أحله فيه أول مرة أو ليلتجئ فيه إلى كسر أو نحت أو حشو أو دعامة ثم كيف تكون عاقبة أمره أنه في الوقت الذي يضع فيه آخر لبنة على هذا المنهاج يرفع يده عن مدينة منسقة ليس فيها قصر ولا غرفة ولا لبنة ولا جزء صغير ولا كبير إلا وقد نزل منزله الرصين الذي يرتضيه ذوق الفن حتى لو تبدل واحد منها مكان غيره لاختل البنيان أو ساء النظام أليس ذلك إن وقع يكون تحديا للقدرة البشرية جمعاء


الصفحة التالية
Icon