أبعد وهو عن الإحاطة بمراتب هذه النصوص أشد بعدا بل الإنسان حين تحفزه باعثة القول وترد إليه سانحته لا يعدو فيها إحدى خطتين فهو إما أن يدعها كما هي سانحة منعزلة وكذلك يفعل في أمثالها حتى إذا بلغ الغاية رجع أدراجه فأخذ فيها جمعا وتفريقا وتبويبا وترتيبا وإما أن يأخذ في ضم هذه النصوص ولاء على وفق ورودها الأول فالأول أما الثالثة وهي أن يجعلها هكذا عزين ولا يزال يظاهرها من قريب وبعيد عن أيمانها وعن شمائها وفي خلالها بهذه الطريقة المحددة وبهذه الطريقة المشتتة المعقدة على أن يجعل المكان الذي أحل كل سانحة فيه مكانا مسجلا لا تحول عنه ولا تزول ثم يطمع أن يخرج له بتلك الصنعة ديوان كامل التقسيم والتبويب جيد التنسيق والترتيب مترابط متماسك في جملته وتفصيله كلمة كلمة وحرفا حرفا فتلك أمنية لا يظفر المرء منها إلا بعكس ما تمنى ها أنت ذا قد عرفت نهج التأليف الإنساني في صنعة البيان وغير البيان ورأيت بعد ما بينه وبين نهج التأليف في نجوم القرآن وعرفت ماذا كان يجب أن يحدث في النظم القرآني من جراء هذا النهج العجيب في أسبابه ثلاثة من شأنها ألا يستقيم بها للكلام طبع ولا يلتئم له معها شمل فانظر الآن هل استطاعت هذه الأسباب على تضافرها أن تنال شيئا من استقامة النظم في السور المؤلفة على هذا النهج أما العرب الذين تحداهم القرآن بسورة منه فلقد علمت لو أنهم وجدوا في نظم سورة منها مطمعا لطامع بله مغمز لغامز لكان لهم


الصفحة التالية
Icon