تنزيلها مفرقة عن جمع كمثل بنيان كان قائما على قواعده فلما أريد نقله بصورته إلى غير مكانه قدرت أبعاده ورقمت لبناته ثم فرق أنقاضا فلم تلبث كل لبنة منه أن عرفت مكانها المرقوم وإذا البنيان قد عاد مرصوصا يشد بعضه بعضا كهيئته أول مرة أجل إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثا من المعاني حشيت حشوا وأوزاعا من المباني جمعت عفوا فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسس وأصول وأقيم على كل أصل منها شعب وفصول وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بنيان واحد قد وضع رسمه مرة واحدة لا تحس بشيء من تناكر الأوضاع في التقسيم والتنسيق ولا بشيء من الانفصال في الخروج من طريق إلى طريق بل ترى بين الأجنسا المختلفة تمام الألفة كما ترى بين آحاد الجنس الواحد نهاية التضام والالتحام كل ذلك بغير تكلف ولا استعانة بأمر من خارج المعاني أنفسها وإنما هو حسن السياقة ولطف التمهيد في مطلع كل غرض ومقطعه وأثنائه يريك المنفصل متصلا والمختلف مؤتلفا ولماذا نقول إن هذه المعاني تنتسق في السورة كما تنتسق الحجرات في البنيان لا بل إنها لتلتحم فيها كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان فبين كل قطعة وجارتها رباط موضعي من أنفسها كما يلتقي العظمان عند المفصل ومن فوقهما تمتد شبكة من الوشائج تحيط بهما عن كثب كما يشتبك العضوان بالشرايين والعروق والأعصاب ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين وتؤدي بمجموعها غرضا خاصا كما يأخذ الجسم قواما واحدا ويتعاون بجملته على أداء غرض واحد مع اختلاف وظائفه العضوية