بل كيف عرف كل جزء من هذه الأجزاء أين مجموعته وأين مستقره بينها في رأس أو صدر أو طرف من قبل أن تتبين سائر الآحاد والفصائل حتى إذا تم توزيع تلك الأجزاء المتفرقة والأشلاء الممزقة إذا الستار يرتفع في كل سورة عن دمية حسناء كاملة الأعضاء متناسقة الحلي أي تدبير محكم وأي تقدير مبرم وأي علم محيط لا يضل ولا ينسى ولا يتردد ولا يتمكث كان قد أعد لهذه المواد المبعثرة نظامها وهداها في إبان تشتيها إلى ما قدره لها حتى صيغ منها ذلك العقد النظيم وسرى بينها هذا المزاج العجيب سبحان الله هل يمتري عاقل في أن هذا العلم البشري وإن هذا الرأي الأنف البدائي الذي يقول في الشيء لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقلت أو فعلت ولقدمت أو أخرت لم يك أهلا لأن يتقدم الزمان ويسبق الحوادث بعجيب هذا التدبير أليس ذلك وحده آية بينة على أن هذا النظم القرآني ليس من وضع بشر وإنما هو صنع العليم الخبير بلى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أما إن طلبت شاهدا من العيان على صحة ما أصلناه في هذا الفصل من نظام الوحدات في السور على كثرة أسباب اختلافها وأما إن أحببت أن نريك نموذجا من السور المنجمعة كيف التأمت منها سلسلة واحدة من الفكر تتلاحق فيها الفصول والحلقات ونسق واحد من البيان تتعانق فيه الجمل والكلمات فأي شيء أكبر شهادة وأصدق مثالا من سورة نعرضها عليك هي أطول سور القرآن كافة وهي أكثرها جمعا للمعاني المختلفة وهي أكثرها في التنزيل نجوما وهي أبعدها في هذا التنجيم تراخيا