تلك هي سورة البقرة التي جمعت بضعا وثمانين ومائتي آية وحوت فيما وصل إلينا من أسباب نزولها نيفا وثمانين نجما وكانت الفترات بين نجومها تسع سنين عددا واعلم أنه ليس من همنا الآن أن نكشف لك عن جملة الوشائج اللفظية والمعنوية التي تربط أجزاء هذه السورة الكريمة بعضها ببعض فتلك دراسة تفصيلية لها محلها من كتب التفسير ذلك ولو نشاء لأريناك في القطعة الواحدة منها أسبابا ممدودة عن أيمانها وعن شمائلها تمت بها إلى الجار ذي القربى والجار الجنب في شبكة من العلائق يحار الناظر إلى خيوطها مع أيها يتجه ولا يدري أيها هو الذي قصد بالقصد الأول وإنما نريد أن نعرض عليك السورة عرضا واحدا نرسم به خط سيرها إلى غايتها ونبرز به وحدة نظامها المعنوي في جملتها لكي ترى في ضوء هذا البيان كيف وقعت كل حلقة موقعها من تلك السلسلة العظمى بيد أننا قبل أن نأخذ فيما قصدنا إليه نحب أن نقول كلمة ساق الحديث إليها وهي أن السياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء منه وهي تلك الصلات المبثوثة في مثاني الآيات ومطالعها ومقاطعها إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها على وجه يكون معوانا