له على السير في تلك التفاصيل عن بينة فقديما قال الأئمة إن السورة مهما تعددت قضاياها فهي كلام واحد يتعلق آخره بأوله وأوله بآخره ويترامى بجملته إلى غرض واحد كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة وإنه لا غنى لمتفهم نظم السورة عن استيفاء النظر في جميعها كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية وبهذا تعرف مبلغ الخطأ الذي تعرض له الناظرون في المناسبات بين الآيات حين يعكفون على بحث تلك الصلات الجزئية بينها بنظر قريب إلى القضيتين أو القضايا المتجاورة غاضين أبصارهم عن هذا النظام الكلي الذي وضعت عليه السورة في جملتها فكم يجلب هذا النظر القاصر لصاحبه من جور القصد وكم ينأى به عن أروع نواحي الجمال في النظم وهل يكون مثله في ذلك إلا كمثل امرئ عرضت عليه حلة موشية دقيقة الوشى ليتأمل نقوشها فجعل ينظر فيها خيطا خيطا ورقعة رقعة لا يجاوزه بصره موضع كفه فلما رآها يتجاور فيها الخيط الأبيض والخيط الأسود وخيوط أخر مختلف ألوانها اختلافا قريبا أو بعيدا لم يجد فيها من حسن الجوار بين اللون واللون ما يروقه ويونقه ولكنه لو مد بصره أبعد من ذلك إلى طرائف من نقوشها لرأى من حسن التشاكل بين الجملة والجملة ما لم يره بين الواحد والواحد ولتبين له من موقع كل لون في مجموعته بإزاء كل لون في المجموعة الأخرى ما لم يتبين له من قبل حتى إذا ألقي على الحلة كلها نظرة جامعة تنتظم أطرافها وأساطها بدا له من تناسق أشكالها ودقة صنعتها ما هو أبهى وأبهر