ومن جهة أخرى فقد كان موقف هذا النبي الرحيم في جده البالغ في دعوة أمته وحرصه الشديد على هدايتهم مصورا له في عين من يراه بصورة الطامع في إيمان الناس أجمعين الظان أن هذه الأمنية ستصبح في متناول يده متى أخذ في أسبابها العادية كأنه يرى أن ليس بينهم وبين هذه الهداية إلا أن يصل صوت القرآن إلى آذانهم فإذا هم مسلمون ذلك مع أن القرآن يكاد يحدد الآن مهمته ويقول إن الذي سينتفع بهداه إنما هو المتقون فكان هذا التحديد مظنة لأن يبتهل الرسول إلى ربه قائلا سبحانك اللهم ولم لا يهتدي به الناس أجمعون وجب إذا أن تقرر الحقيقة بصورة حاسمة لكل طماعية وتردد مريحة للنفس من طلب ما لا سبيل إليه وأن تبين مع ذلك الموانع الطبيعية من عموم هداية القرآن بأسلوب ينزه القرآن نفسه عن شائبة القصور ويرد النقص إلى قابلية القابل لا إلى فاعلية الفاعل وهل يغض من مهارة الطبيب أن يعرض المريض عن تناول الدواء منه فيموت بجهله وهل يضير الشمس ألا ينتفع بنورها العمى أو المتعامون إن الذين كفورا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون هكذا انتقل الحديث عن المؤمنين الذين سبقت لهم الحسنى إلى الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا على وجه اقتران الحديثين في القصد من أول الأمر إذا لعطف أحدهما على الآخر بل على وجه يبنى فيه بعض الكلام على بعض إجابة لهذا السؤال الذي نطقت به الحال وإزالة لذلك التعجب الذي أثاره سابق المقال وهذا هو ما يسميه علماء البلاغة بالاستئناف البياني وجرى الحديث عن هؤلاء إلى نهايته فانضم الشكل إلى شكله وعطفت الطائفة الثالثة على أختها لأنهم في التجافي عن الهدى مشتركون تتشابه قلوبهم وإن اختلفت ألسنتهم ومن الناس من يقول آمنا