يسرع به نسبه تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون ذكر حاضر المسلمين وقت البعثة واتصل ذكر الخلف بذكر السلف وخرج الكلام من التلويح إلى التصريح فأقبل يقرر في جلاء صلة هذه الأمة المسلمة بتلك الأمة الصالحة في أصول ملتها وفي أهم فروعها ويقص علين ما يحاوله سفهاء الأحلام من بني إسرائيل وغيرهم لحرمان المسلمين من تلك الصلة وذلك بدعوتهم المسلمين إلى اتباع ملتهم تارة وبالطن في قبلتهم تارة أخرى ويكر على كلتا المحاولتين الهدم والاستئصال وقد رأيت الحديث الآنف كيف امتزج فيه ذكر ملة إبراهيم بذكر قبلته فانظر كيف كان ذلك تأسيسا قويا لما يبني عليه هنا من ذكر ملة المسلمين وذكر قبلتهم قال في شأن الملة إن أهل الكتاب يدعونكم بعد هذا البيان أن تكونوا هودا أو نصارى فقولوا لهم بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا وعرفوهم جلية الأمر في هذه الملة الحنيفية وأنها إيمان بالله وإيمان بكل ما أنزل على النبيين لا نفرق بين أحد منهم هذه عقيدتنا بيضاء ناصعة فأي ركنيها تنقمون منا وفي أيها تخاصموننا أفي الله وهو ربنا وربكم أم في إبراهيم وبنيه وهم كانوا هودا أو نصارى تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون وكان هذا الترديد وحده كافيا لإفحامهم وإغلاق الباب في وجوههم من هذه الناحية إذ تبين أن أصول هذه الملة أمنع من أن نقبل الجدال في شيء منها فانتقل عنها وشيكا إلى إبطال محاولتهم الأخرى في مسألة الكعبة المعظمة التي عليها يدور العمل بشعيرتين هما أعظم شعائر الإسلام وأظهرها الصلاة والحج والتي قد تقرر ما لها من الأصل الأصيل