في الدين باتخاذ إبراهيم وإسماعيل إياها مثابة ومصلى ولكن هذا لم يكن كافيا لإسكات المجادلين الذين اتخذوا من تحول المسلمين إليها وتركهم القلة التي كانوا عليه مطعنا على النبوة فتنوا به بعض ضعفاء المؤمنين فمست الحاجة إلى مزيد بسط في شأنها تتقرر به الحجة وتدحض به الشبهة ولذلك تراه يوجه إليها أكبر الشطرين من عنايته فيأمر النبي بادئ ذي بدء أن يجيب المتسائلين عن حكمة هذا التحويل جواب عزة وإباء يرد الأمر فيه إلى من لا يسأل عما يفعل قائلا لهم إن الجهات كلها سواء يوجهنا الله منها إلى ما يشاء وهو الذي يهدي إلى الصراط المستقيم ثم أخذ يأمر النبي تارة والمؤمنين تارة ويأمرهما معا تارة أخرى في أسلوب مؤكد مفصل أن يثبتوا على هذه القبلة حيث هم وفي كل مكان يقيمون فيه حضرا وفي كل مكان يخرجون منه سفرا وطفق ينثر في تضاعيف هذه الأوامر المؤكدة ما شاء من تعريف بأسرار التشريع القديم والجديد فيقول إن تشريع تلك القبلة الوقتية ما كان إلا اختبارا لإيمان المهاجرين ليتبين من تتبع الرسول ممن يتقلب على عقبيه وأما تشريع هذه القبلة الباقية فإنه ينطوي على الحكم البالغة والمقاصد الجليلة فهي القبلة الوسطى التي تليق بكم أيتها الأمة الوسطى وهي القبلة التي ترضاها يأيها النبي والتي طالما قلبت وجهك في السماء مستشرفا إلى الوحي بها وهي القبلة التي يعلم أهل الكتاب أنها الحق من ربهم وإن كانوا يكتمون ذلك حسدا وعنادا وهي القبلة التي يشهد الله بأنها الحق من عنده وأخيرا هي القبلة التي لا يبقى لأحد من المنصفين حجة عليكم أما الظالمون فلن ينقطع جدالهم في شأنها ما بقيت عداوتهم لكم ولكن لا تخشوهم بل وطنوا أنفسكم على التضحية في سبيل الله واصبروا ولا تحزنوا على من سيقتل منكم في هذه السبيل فإن الموت فيها هو الحياة الباقية