أن ينتفعوا بسائر ما في الأرض من الحلال الطيب وفي ضيق الاضطرار جعل المحظورات كلها تنقلب مباحات مرفوعا عنها الحرج فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم وناهيك بهذا الأسلوب تليينا للقلوب وحملا لها على الخضوع لأمر هذا الرب الرءوف بعباده أفمن يحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث أحق أن يطاع أم من يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ثم ختمها بتعريفهم مبلغ غضبه وانتقامه ممن يكتم أمر نهية ويبدلهما بغير ما أمر ونهي ويأخذ على ذلك الرشا والسحت أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم والناظر في منهج هذا التقرير إذا تأمل في وجه اختيار حديث المطاعم والمكاسب من بين ضروب الحلال والحرام يرى من لطائف موقعه هنا ما يعرف به أنه هو العروة الوثقى التي شد بها وثاق البيان وسدت بها الفروج بين خطواته السابقة واللاحقة فهو من الوجهة العملية أحد تلك الفروع التي سينتقل إليها الحديث عما قريب فذكره ه هنا يعد إشعارا بقرب الشروع في المقصد الجديد ثم هو من الجهة الاعتقادية يتصل اتصالا تاريخيا وثيقا بعقيدة التوحيد التي هو بصددها ذلك أن أهل الجاهلية من وثنيين وكتابيين لما اتبعوا خطوات الشيطان فازلهم عن توحيد المعبود حتى اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله لم يطل عليهم الأمد حتى فتح لهم باب التشريك في التشريع بعد التشريك في العبادة فجعلوا يحرمون من الحرث والأنعام حلالها ويحلون حرامها بل جعلوا عند ذبح أنعامهم يهلون بها لغير الله يهتفون بأسماء آلهتهم ويستحلون طعمتها بذلك فجمعوا فيها بين مفاسد