ولكنه الصبر الاختياري على التضحية بالأموال إنفاقا لها في سبيل الله والمثال الذي يختاره التنزيل الحكيم هنا مثال مزدوج ينتظم الصبر في البأساء والضراء جميعا إذ يجمع بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال الحج إلى بيت الله ولا تنس ها هنا أن تنظر إلى المعبرة اللطيفة التي انتقل بها الحديث من الصوم إلى الحج تلك هي مسألة الأهلة التي جعلها الله مواقيت للصوم وللحج جميعا ولنقف بك ها هنا وقفة يسيرة نشير فيها إلى أن شأن عجيب من شؤون النسق القرآني في هذا الموضع ذلك أنه حين بدئ بذكر الحج لم تتصل به أحكامه ولاء بل فصل بين اصمه وحكمه بست آيات في أحكام الجهاد بالنفس والمال في قتال الأعداء فاصلة يحسبها الجاهل رقعة غريبة في ثوب المعنى الجديد ولكن الذي يعرف تاريخ الإسلام وأسباب نزول القرآن يعرف ما لهذه الفاصلة من شرف الموقع وإصابة المحز لا لمجرد الاقتران الزماني بين تشريع الحج وبين غزوة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة ولكن لأن أداء المناسك في ذلك العام كان عزما لم ينفذ وأملا لم يتحقق إذ أحصر المسلمون يؤمئذ عن البيت وهموا أن يبطئوا بأعدائهم الذين صدوهم عنه لولا أن الله نهاهم عن البدء بالعدوان وأمرهم ألا يقاتلوا في المسجد الحرام إلا من قاتلهم فيه فانصرفوا راجعين مستسلمين لأمر الله منتظرين تحقيق وعد الله فكذلك فلينصرف القارئ أو المستمع ها هنا وهو متعطش لإتمام حديث الحج على أن يعود إليه بعد فاصل كما انصرف المسلمون إذ ذاك عن مكة وهم إليها متعطشون على أن يعودوا إليها من عام قابل هكذا كانت هذه الآيات الفاصلة